ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطئنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين

11.27.2010

السيرة الذاتية لـ«البرلس»: حين يبحث الصياد عن «زريعة» وسط «الحيتان»

مع أن رزق الأمس لم يكفل له وجبة غذاء هو وزوجته وبناته الثلاث، إلا أنه فى الثالثة فجراً كان قد استيقظ متجهاً إلى مركبه الصغير، حيث ترك الشبكة قبل 12 ساعة كاملة، وكله أمل «الغزل يكون جاب سمك».



«والله بأبقى ماشى فى المياه هأقع، ومش قادر أوصل للسمبوك (يقصد مركبه الصغير) بس مافيش قدامى حاجة تانية أعملها».. كلمات قالها متحدثاً عن أثر حالته الصحية على عمله بعد أن أكمل 77 عاماً، قضى منها أكثر من 60 سنة صياداً فى بحيرة البرلس.
عبد الحليم سيد بقرة، هو هذا الصياد الذى لم تتناقص ثقته أبداً فى «كرم ربنا» على الرغم من تناقص «خير البحيرة»؛ فكيلو السمك الذى يصطاده الرجل لا يتجاوز سعره جنيهين، بسبب نوعه وحجمه الصغير «معظم السمك اللى بجيبه بلطى صغير» يقولها مترحماً «الله يرحم أيام السمك الطوبار والبورى والحنش والموس والقاروص».. وهى الأنواع التى يذكر أنها «كانت مالية البحيرة».
بدأت أحوال البحيرة فى التدهور بشكل لافت للنظر منذ حوالى عشر سنوات، بحسب الصياد العجوز، وهو ما يفسره بانتشار مالكى «الحوش»، وهم أشخاص يقومون بفرض سيطرتهم على مناطق تشبه جزر يحيطها بوص داخل البحيرة مستخدمين «قوة الدراع».
يقتسم صاحب «الحوش» السمك إما بالثلث أو النصف، مع من يصطاد داخل «المنطقة بتاعته»، كما يروى الشيخ. الرجل قام بتربية أولاده «3 بنات اتجوزوا وعلمت ابنى ودلوقتى بقى مدرس وعنده 5 عيال» وكل هذا، كما يقول، من «خير البحيرة» التى تعجز الآن عن مساعدته فى استكمال تربية 3 بنات أخريات لم يتزوجن بعد.
«أنا مش زعلان منها أصل هى كمان عجزت من كتر الحرامية اللى بيسرقوها».. يتحدث عن البحيرة كما لو كان يحاول إيجاد مبرر لشخص أحبه، ثم يصمت قليلاً مسترسلاً فى توضيح عذره لها: «البحيرة علشان تطلع سمك لازم السمك لما يتكاثر البيض بتاعه يفضل فيها وماحدش يصطاد السمك الصغير»، وهو ما يؤكد الرجل أنه لا يحدث بسبب ما سماه «سرقة الزريعة» التى يجنى بسببها «الأقوياء» آلاف الجنيهات أسبوعياً «95% من صيادين بلدنا غلابة».
يقصد عم عبدالحليم بالأقوياء: «الروس الكبيرة.. أصحاب المزارع السمكية» الذين يرى أنهم «السبب فى قتل بحيرة البرلس»؛ عن طريق تشغيلهم بعض الصيادين فى «سرقة الزريعة».
«الزريعة» كما يصفها الصياد: «واحد فى سنى ما يفسرهاش بعينه من صغرها علشان نظرى تعب».. ويوضح خطورة سرقتها: «المفروض تتساب فى البحيرة علشان تكبر وإلا بعد فترة مش هنلاقى سمك خالص وأنواع تانية هتنقرض زى ما فى أسماك ما بقناش نشوفها خالص فى البحيرة».
لا يلوم الرجل العجوز على الصياد الذى يعمل فى «سرقة الزريعة»؛ لأنه على حد وصفه: «فقير عريان»، وإنما يتوجه باللوم لشرطة المسطحات المائية.
دخل الرجل المتمثل فى 120 جنيهاً معاشاً، وكيلو سمك «يوم يطلع ويوم مايطلعش».. دفعه فى نهاية حديثه إلى التوجه لربه بالدعاء: «ربنا يلطف بينا إحنا أيامنا انتهت، بس علشان الأجيال اللى طالعة».. قالها مبرهناً على أنه لا مصلحة يسعى إليها من كلامه سوى مصلحة البحيرة.
وما بين سنوات عُمر العجوز عبدالحليم والسيد حسن، الشاب البالغ 25 عاماً، كانت هناك بعض الاختلافات. فالسيد الذى توجه إلى البحيرة وعمره 7 سنوات بعد احتياج الأسرة لمجهوده؛ بسبب وفاة أخيه، يغادر يومياً فى رحلة صيد من الساعة الثالثة عصراً ولا يعود إلا قبل أذان الفجر، حاملاً معه سمكاً يختلف وزنه من ليلة لأخرى «ممكن السمك يطلع كله صغير ما يجبش 100 جنيه» على اعتبار أن حصيلة الليلة تتراوح ما بين 10 و40 كيلو سمك، ويبلغ سعر الكيلو منه من جنيه إلى ثلاثة جنيهات.
السمك الذى يصطاده الشاب الآن يتذكر أنه «زمان لا كان حد يشتريه ولا ياكله» بسبب صغر حجمه «ربنا سداد وبيبعت سمك كتير لما بيكون البيت محتاج.. مالناش غيره سند».
يبلغ سعر المركب حوالى 8 آلاف جنيه، ولكنه يتكلف مصاريف سنوية مقابل تجديده.. «لما الميه بتدخل المركب بيحتاج عمرة ودى بتكلف من ألف إلى 3000 جنيه». «العمره».. كما يشرحها الصياد الشاب «دهان للخشب علشان يحفظه ولو فيه خشب هالك النجار بيغيره».
16 فرداً، هم عائلة السيد التى تتكون من أربعة إخوة وأسرهم».. لا مصدر رزق لهم بجوار الصيد سوى أخ سافر إلى الكويت «بيشتغل صياد هناك برضه.. بس على مراكب كبيرة بمواتير».. قالها متذكراً «أنا كمان سافرت الكويت ورجعت بعد 55 يوم علشان قالولي: عندك فيروس فى الدم وكنت محتاج وسطة علشان أستنى هناك بس ما لقتش»، هذا على الرغم من أن «دور البرد» يكاد يكون هو المرض الوحيد الذى يهاجم السيد على مدار العام بسبب مبيته ليلاً فى مياه البحيرة «بس بييجى كتير وبيقعدنى أقل حاجة 8 أيام فى البيت».
«أنا بزق المركب وهو يرمى الشبك».. قالها وهو يشير لأخية الصغير محمد (9 سنوات) المتواجد معه فى رحلة الصيد.
«شغلانة الصياد مابقتش جايبة همها» لذلك لا يمانع فى عمل الأخ الأصغر بحرفة «المحارة»، وحين يحتاج إلى آخر يساعده «بجيب واحد يشتغل معايا ومابتبقاش يومية ولا مهية ثابتة.. أجرته بتكون على حسب الرزق اللى ربنا قسمه لنا».
المرأة فى عائلة السيد لها دور مهم هى الأخرى «بييجوا الفجر يسلكوا معانا السمك من الغزل وبعدين ياخدوه ويروحوا يبيعوه فى سوق السمك فى بلطيم البلد». المانع الوحيد لقدوم إحداهن «إنها تكون عروسة أو عندها طفل صغير قاعدة بيه فى البيت ومش فاضية».
حكايات أخرى عن البحيرة وخيرها رواها الحاج محمد إدريس، تحدث الصياد ببحيرة البرلس بينما التف حوله 5 من أبنائه كانوا فى استقباله بعد عودته من رحلة صيد ليلية «بقالى 65 سنة صياد والبحيرة رزقها بيزيد بس مشكلة البحيرة الأيام دى هى سرقة الزريعة ودى مشكلة عصابات».. قالها بانفعال «لو البحيرة حافظنا عليها هتفضل الناس تاكل منها.. هتفضل الناس عايشة.. ما هو لو دلوقتى البحيرة باظت.. يبقى إحنا كده اتشردنا»، تحدث خائفاً على مستقبل ابن لم يعرف سوى البحيرة سكناً، وغير الصيد مهنة.. «ما هو لو فضل الوضع على ما هو عليه ابنى مش هيشتغل فى البحيرة.. هيصيع».
يشك الرجل فى أن «الحكومة هتعمل حاجة علشان تنقذ البحيرة».. مدللاً بمشروع تطهير وتعميق بحيرة البرلس «بيقولوا إنهم بيعمقوا البحيرة.. وإحنا مش عارفين هم بيعملوا إيه بالظبط؟».. موضحاً أن الشركة تقوم بوضع الطين الناتج عن التعميق على جانب البحيرة، وهو ما يعنى بالنسبة له أن «الحكومة عايزة تنشف جزء من جانب البحيرة تانى علشان يبيعوه أرض مبانى زى ماحصل قبل كده وباعوا المتر بـ7 آلاف جنيه فى مزاد علنى».. مؤكداً فى نهاية حديثه «ده مش كلامى لوحدى ده كلام كل الصيادين».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق